مقاطعة مال .. صدفة أم جُهد بُذل /المهندس.محمد محمود بن حبرز

في يوليو من سنة 2019، كتبتُ مقالا عن #مقاطعة_مال بموقع الوحدة الإخباري، تحت عنوان "المقاطعة والمقاطعة"، انتهى المقال بفقرة اقتبسها :
[[[بمراعاة الأرقام على مستوى التعداد السكاني، والحيز الجغرافي، والموقع الحيوي المتميز، والمقدرات الهائلة، والتضحيات السياسية الجسام، نستخلص انه حتما هناك عاملا وبحجم اكبر من ان يظل مخفيا، يشكل عائقا امام مطلب "مقاطعة مال"، فياترى ماهو ذالك العامل ؟!! .
هنيئا لمن فك اللغز]]]. انتهى الإقتباس.
سنتين هي الفاصل الزمني بين تلك الأحاسيس المؤلمة، حين كانت الأنامل تسطر تلك الأحرف، وبين مشاعر اليوم حيث الفرح والبهجة والسرور، زال العائق -أو أُزيل- ، واصبحت #مقاطعة_مال اليوم واقع، يستبشر به كل الساكنة، وحق لهم.
لكن واقعا بهذا الحجم يحمل في طياته ابعادا (ارتفاع وطول وعرض)، تستوجب الوقوف والإستخلاص بتمعن، بعد التفكير بهدوء، والقياس بأدوات دقيقة ومناسبة.
عن "ارتفاع" سقف المطالب السياسية اتحدث، وإلى "طول" السنين العجاف أُشير -سنين التهميش والإقصاء-، أما "عرض" حائط الإهمال واللامبالاة، فهو شاهد على آمال وتطلعات لآلاف القاطنين، ضُربت كلها بذلك الحائط، الذي نرجوا ان يكون تصدعه غير قابل للصيانة، حتى يكون بداية انهيار لجدار ظلم، آن له ان يُهدم.
إن المتتبع للشأن المحلي بالمقاطعة -الوليدة- دأب على سماع مطلب المقاطعة ضمن البرامج الإنتخابية للسياسيين، مطلب طالما رسم منحنى متناقص مع مرور الوقت حتى تكاد تنعدم رواتب احداثياته محاذيا لأفق تلح به الأماني اكثر من الوقائع.
تلكم "دالة" ذات دلالة، لا تتطلب الكثير من الوقت لحساب نهايتها بمالانهاية.
وإن كان للأمانة التاريخية بقي هنالك من يطالب بالمقاطعة، ويجدد مطالبته بها كلما أتيحت له فرصة مؤتمر أو لقاء أو مهرجان أو اجتماع بوزير أو مسؤول رفيع، وتلك المطالبة حتى وإن كانت مجرد طلب عابر فتبقى جهد من باب "ذلك اضعف الإيمان".
وللإنجاز مهما كان اسباب ودوافع، إذ دأب السياسيون على تبني أغلب الإنجازات مهما كان حجمها، خصوصا إذا ماتعلق الأمر بمشاريع كبيرة.
وربما من عجائب السياسة المحلية أن أهم المشاريع وأكبرها وأكثرها تأثيرا على مستوى مركز مال الإداري -سابقا- كتب لها أن تأتي صدفة ومفاجئة لكل السياسيين، وإن كانت لم تَسلم من محاولة التبني، وكل يروج لنفسه أن له نصيب الأسد في إتخاذ القرار، أو الدراسة أو التمويل أو تحديد المكان والزمان.
وابسط الأمثلة على ذلك مشروع ولد بوكصيص لسقاية مدينة مال وبعض القرى المجاورة لها، كذا شبكة الكهرباء بمدينة مال، ناهيك عن طريق شكار-مال-القايرة الذي صار شريان الحياة بعد ان ابتلت العروق بمياه ولد بوكصيص.
أما عن المقاطعة، فأبت الحكومة إلا ان تفصح افصاحا لم نعتده منها في هذا الإطار، كما هو معلوم أن النظام الحالي نظام متفاعل مع الرأي العام، يعرف كيف يوصل الرسائل وكيف يتعامل مع ما يصله منها، حتى وُصفت حكومته بحكومة "فيسبوك" نظرا لتعاطيها مع مايتداول فيه، فحين يتحدث وزير داخلية نظام كهذا وبأوضح العبارات وأمام جمع سياسي، وبزيارة رسمية وبعاصمة الولاية قائلا [ إن الإعلان عن مقاطعة مال الجديدة هو قرار سيادي بحت من الدولة الموريتانية، لاعلاقة ولادخل لشخص ولامجموعة ولاحلف ولاحزب سياسي به، بل اتى مفاجئا للجميع]، فتلكم والله رسالة قوية إلى السياسيين، اكثر من هي معلومة موجهة للرأي العام.
تلك الرسالة التي لن تستطيع أي جهة سياسية تجاهلها، وان كانت قراءاتها قد تختلف، لكنها في حد ذاتها تشكل حلقة مهمة في فك اللغز.
تجدر الإشارة إلى أن قرار المقاطعة تزامن مع تعيينات مهمة جدا طالت بعض أبناء مال، خصوصا مال المدينة التي كانت من نصيبها حقيبة وزارية وازنة، وإن كان ظاهر الأمرين لايوحي بوجود رابط بينهما، إلا أن تعينات كهذه تعتبر لفتة مهمة في مسار إنصاف أطر المقاطعة من تهميش طال ما رافقهم.
كشف الستار إذا عن مقاطعة مال ومايترتب عليها من تطورات ستتلاحق تباعا إن شاء الله، هل ياترى هي بداية القطيعة مع الإقصاء والتهميش والحرمان والظلم ؟!
وبحكم مايتوفر من معطيات تؤكد عدم وجود اية علاقة بين تدخلات السياسيين والمشاريع الكبرى بالمنطقة، هل ياترى من تغيير مرتقب في المنهجية السياسية المحلية المتبعة ؟!
اشهر قلية وربما اسابيع معدودة قد تكون كافية للجواب إن شاء الله.